الأحد، يوليو 12، 2020

الرجل والمطبخ .. حكايات وأسرار.. يكتبه غسان سليم



المطبخُ، غرفةُ السرِّ في المنزلِ، السرِّ الكبيرِ حيث تُجرى الخلطاتُ الغريبةُ وتُلقى التعاويذُ العجيبةُ ليتحولَ كلُّ نيئٍ الى لذيذٍ بقدرةِ المرأةِ.

أدخلُ المطبخَ على أطرافِ أصابعي كَمنْ يدخلُ صومعةَ ولا يودُّ إقلاقَ صاحبِها. غايةُ ما أفعلُه أن أشربَ كأسَ ماءٍ وأغادرَ،  وذلكَ الشيءُ الوحيدُ الذي كنتُ أجيدُه ولا أطلبُ مساعدةَ أهلَ البيتِ فيه.

خلالَ فترةِ الحجرِ الطويلةِ التي خرجَ معظمُكم منها وما أزالُ قابعًا فيها، تَمرجلتُ وبدأتُ أعدُّ القهوةَ والشايَ لنفسي، وللشايِّ العراقي طقوسٌ خاصةٌ نطلقُ عليها "التخدير" وبغيرِ ذلك لا نعتبرُه شايًا، وهنا أعترفُ بأن أكياسَ لبتونَ لا تدخلُ منزلَنا قطُّ ...

وبخطوةِ أجرأَ،  تلمَّستُ طريقي لإعدادِ الفطورِ وبدأتُ بالشكشوكةِ التي أجيدُها الآن "أجدع" من أيِّ سيدةِ منزلٍ -حتى أنتِ- وبأعترافِ الجهاتِ المختصةِ، لكنَّ ذلك لم يكنْ سقفَ طموحِي كلَّه، بل تعدَّيتُه إلى إعدادِ التِمِّنِ "الرز"، سيدِ الطعامِ وملكِ المائدةِ، ولا يكتملُ الأمرُ إلا بالمرقِ وأشهرُ أنواعِ المرقِ في المطبخِ العراقيِّ هي اليابسة " الفاصوليا البيضاء" والبامية والأسوَد "الباذنجان" أو كما يسميه أهلُ العراقِ، وحشَ الطاوةِ".
ولوحشِ الطاوةِ هذا،  ذكرياتُ معَ العراقيينَ أثناءَ الحصارِ، إذ كان منقذَهم من غائلةِ الجوعِ رغمَ أنهُ لم يكنْ مدرجًا في القائمةِ التموينيةِ وعيبُه الوحيدُ "يصرف دهن"-زيت-.
  
في نهايةِ الأمرِ، تكللتْ كلُّ محاولاتِي بالفشلِ البائنِ، رغمَ استعانَتي بشيفاتِ اليوتيوب مثلِ عباس أبو التمن والشيفةَ أم محمد. 
الرزُّ لم ينضجْ في المرةِ الأولى وكانتْ بهِ "گرگطةٌ" وفي الثانيةِ تحولَ إلى عجينةٍ بيضاءَ متكتلةٍ ... أمَّا المرقُ فمرَّةَ فاهيًا يكونُ، وأخرى مالحًا أو بلا طعمٍ وتعددتْ الأسبابُ والفشلُ واحدٌ ...

أرتبكُ في هذا المكانِ وتسبقُني النارُ على أشيائِي ولا أجدُ شيئًا في مكانِه كما في اليومِ السابقِ، أما البهاراتُ فتلك معضلةٌ أخرى. 
الكاري في علبةِ الفُلفلِ الأكحلِ، الفلفلُ الأكحلِ في علبةِ البابريكا، البابريكا في علبةِ الدارسين... وهكذا أسرارٌ في أسرارٍ وأنا على يقينٍ راسخٍ من أنَّ المرأةَ تستطيعُ إخفاءَ فيلٍ كاملٍ في المطبخِ دونَ أن تراهُ أيُّها الرجلُ، في علبةِ بهاراتِ الكبسةِ السعوديةِ مثلًا.

وأنا الآن محظورٌ، ليسَ من الفيسبوك .. لا أبدًا ...ولستُ بحاجةٍ الى النكزِ  الذي لا أعرفُ لماذا يفعلُه أصدقائِي بي وخاصةً "بيانكو" و "مهر النوري حساني"، بلْ محظورٌ من دخولِ المطبخِ رغمَ التوسلاتِ والوساطاتِ والتي جُوبِهتْ جميعُها بالرفضِ الحازمِ...
السببُ الأخيرُ وثالثةُ الأثافي، كان الشايُّ الذي قدمتُه للسيدةِ ويبدو أنني في رَبكتي قد خلطتُ السكرَ بملعقةٍ كنتُ قدِ استخدمتُها في إضافةِ الفلفلِ الأحمرِ الى طبقِ البيضِ.

والآن، بعدَ كلِّ هذا وأنا لستُ فيمينيست أو نسوانيٌّ أو "نسونچي" بل قائلُ كلمةِ حقٍ، أعترفُ وأقِرُّ بجهودِ السيداتِ والآنساتِ وفضلِهنَّ علينا، نحنُ أبناءُ آدمَ وجنسُ النمرودِ، ناكرو جميلهنَّ وغامطي حقوقهنَّ ، وأرفعُ عاليًا من شأنِ تلكَ الغرفةِ- المطبخ- والتي أعتقدُ جازمًا أنَّها مكانٌ لممارسةِ الفنِ والإبداعِ وليسَ للتنكيلِ بالمرأةِ.  
في المطبخِ متعةٌ لذيذةُ أرجو لو أعودُ إليها، لذا توسَّطوا لي يا جماعةَ الخيرِ ... 
فعندي مواهبُ أخرى، غير الكتابةِ والتصويرِ والإلقاءِ وصناعةِ الطائراتِ المسيرةِ والهندسةِ وكوني عاشقًا فاشلًا  ... القليلُ القليلُ، كأن أصبحَ طباخًا، ويكتملُ بحقي المثلُ المشهورُ "سبع صنايع والبخت ضايع" وإلى طبخةٍ ناجحةٍ قادمةٍ إن حصلتْ، ألقاكُم على الخيرِ كلَّهِ ...

ليست هناك تعليقات: