في حين أعلنت الصين بدء تعافيها من فيروس كورونا، وهي المصدر الرئيسي لتفشيه، يخوض العالم من حولها غمار معركة قاسية مع طاعون العصر ، لا يبدو أنها ستنتهي قريبا .
لذا صار التعامل مع الأزمة باتخاذ حزمة إجراءات حاسمة أمرا ضروريا من قبل الدول المصابة، حتى لو كلفها التضحية بمنسوب اقتصاد لا يُعد أهم من أرواح قد تُحصد .
وعلى ضوء تلك الإجراءات، فقد أعلن مجلس الوزراء المصري اليوم تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات لأسبوعين، وإغلاق معاقل الدروس الخصوصية، وتعليق كافة الأنشطة الرياضية في النوادي ومراكز الشباب ،وتعليق الأنشطة الثقافية والفنية، وذلك نتيجة ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس الى ١٠٩ حالات ، منها ٧ حالات في المدارس.
ورغم صحة القرار الذي نادى به الكثير من أولياء الأمور ، إلا أنه يعد إجراءً غير كافٍ؛ ذلك أن التجمعات البشرية لا تقتصر على المدارس وحدها، فهناك العمل ووسائل المواصلات التي تكتظ بالملايين يوميا،وهو ما يجعل وصول الفيروس الى المنازل عن طريق رب الأسرة احتمالا واردا بل وأكيدا.
ولا نكون مبالغين ، إن نحن طالبنا بتحويل الأشغال إلى تقنية العمل عن بُعد في المنازل، خاصة لتلك الأعمال التي لا يضيرها عدم تواجد الموظف بمقر العمل، أما تلك التي تتطلب تواجد الموظف بشخصه، فيمكن تقسيم أيام العمل بين فئات الشعب ،بحيث تخرج فئات معينة ثلاثة أيام في الأسبوع وتتبادل الفئات الأخرى الخروج معها، وبذلك نكون قد قلصنا من حجم الزحام في الشوارع ووسائل المواصلات، وأمنّا عدم انتشار الفيروس بشكل واسع ، وحينئذ يمكننا حصاره والتغلب عليه.
وليست تلك التجربة ببعيدة؛ فكثير من الدول المصابة نحت ذلك النحو ، وكانت على رأسها الصين ، التي أغلقت كافة الشركات والمصانع بالمدن المصابة .
وها هي الإمارات الشقيقة والتي أعلنت مؤخرا تعافي ٢٣ حالة من فيروس كورونا، قد أعلنت عن تفعيل نظام "العمل عن بعد" لبعض الفئات من الموظفين في الجهات الاتحادية لمدة أسبوعين، ابتداء من الأحد 15 مارس، إلى 26 مارس الجاري، و هي فترة قابلة للتجديد.
بينما دعت وزيرة العمل الفرنسية مورييل بينيكود الشركات إلى "تكييف ظروف العمل، سواء عن بعد أو في إجازة مرضية"، لا سيما في المناطق المتأثرة في فرنسا، مضيفة أنه "يمكن لأصحاب العمل الآن إعداد العمل عن بُعد دون موافقة الموظف"، وذلك وفقاً للمادة 1222/11 من قانون العمل الفرنسي، والتي تنص على "في الظروف الاستثنائية، لا سيما خطر حدوث وباء، أو في حالة قاهرة، يمكن اعتبار تنفيذ العمل عن بُعد بمثابة تدبير ضروري لصاحب العمل، للسماح باستمرار نشاط الشركة وضمان حماية الموظفين".
كما ذكرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أن الخوف يتزايد في فرنسا حول انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، مشيرة إلى أن "الشركات الكبرى تحاول التكيف بقدر الإمكان مع الوضع بالعمل عن بعد".
وفي إسبانيا التي وصل عدد حالات الوفاة بها الى ١٩٠ حالة، تعتزم الحكومة الإسبانية-طبقا لمسودة رسمية- تقليص كل وسائل النقل العام في إسبانيا، فيما ستطلب السلطات من شركات الطيران والقطارات والحافلات والسفن تقليص خدماتها إلى النصف تقريبا، كي لا يمكن لأي طائرة أو قطار أو حافلة أو وسيلة نقل أخرى أن تحمل سوى ثلث كامل حمولتها.
بينما نرى عملاقي التكنولوجيا "جوجل" و"تويتر" ، قد طلبا من موظفيهما الاتصال عن بُعد للحد من انتشار فيروس كورونا.
فيما قالت مديرة الموارد البشرية بـ"تويتر" جينيفر كريستي، في بيان نُشر على مدونة الشركة: "نشجع بقوة جميع موظفينا في جميع أنحاء العالم على العمل من منازلهم إن أمكن ذلك."
وقد طلبت "جوجل" كإجراء وقائي لموظفي مقرها الأوروبي في دبلن العمل من المنزل، لأن أحدهم كانت لديه أعراض شبيهة بالإنفلونزا.
إذن ، ليس من المنطقي أن تتخذ دول العالم المصابة إجراءات وقائية ، ونكون نحن آخر المتحركين، رغم سرعة انتشار الفيروس بيننا وارتفاع أعداد الإصابة بشكل ملاحظ، ولسنا بحاجة للتذكير بالوضع المأساوي الذي تحياه إيران وإيطاليا ، حيث أعلنت الأولى أن أعراض الكورونا والانفلونزا تشابه عليها وهو ما دعاها للتحرك ببطء، بينما ليس من الواضح تماما كيف استوطن الفيروس شمال إيطاليا قبل أن يزحف بصمت على مناطق أخرى في البلاد،حيث تجاوز عدد المصابين المعلن أمس الجمعة 17660 ، بينهم 1328 شخصا في العناية الفائقة ، وهو ما يوازي اكثر من 60 بالمئة من جميع الحالات المسجلة خارج الصين، فيما تجاوزت عدد الوفيات فيها 1266 حالة.
إلا أنه بالنظر إلى شمال إيطاليا والذي يعد مركزا اقتصاديا كبيرا ونقطة تبادل دولي تربط العالم بمناطق الجذب السياحي الأساسية في البلاد، يمكننا تخمين السبب، وعليه يصبح التخوف لدينا كبيرا كبلد سياحي تتوافد إليه الرحلات من كل بقاع العالم، فمن الممكن جدا أن يتكرر ما وقع في إيطاليا ، خاصة وأن الحالات التي تم اكتشافها في البداية كانت كلها لسائحين ثم انتقلت الى مصريين.
لم يفت الأوان بعد ، بل مازلنا نقبض على مجريات الأمر بأيدينا، وبأيدينا فقط يمكننا أن نحكم السيطرة على تفشي الفيروس ، فقط نتخذ إجراءات حاسمة ،وليكن الحفاظ على أرواح الشعب هو المحرك الأوحد.
وصدق "بروس أيلوارد" ، كبير مستشاري رئيس منظمة الصحة العالمية، حينما قال :
" ما نتعلمه من الصين هو أن الأمر الرئيسي هو السرعة. يمكنك السيطرة على المرض، إذا تحركت بسرعة بالغة".

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق