الجمعة، أغسطس 07، 2020

كسكس الجمعة بقلم محمد بنزيتي

محمد بنزيتي

اليوم، كما بالأمس البعيد، لازال يثيرني في أماسي الخميس بالحي العتيق، ذلك المشهد الفريد لدكان بائع الخضر ، وقد عرض ما تيسر من الخضروات اللازمة لتحضير وجبة "كسكس الجمعة"؛ حيث دأبت الأمهات على إعداده أسبوعيا بشيء من الإنتشاء، و بكثير من الحب.

بالحي العتيق، لا زال السي عباس الرجل الطيب، قابعا في ركنه المعتاد، على ذات الكرسي المتهالك، بدكانه الغير مرتب، وقد تجمدت على أحد رفوفه، متلاشيات قديمة، فقدت وظيفتها، فعلاها غبار السنين، حتى ميزانه المهترئ ضعفت قدرته على الدقة، و أصبح يتقاسم صفة الجود والسخاء مع صاحبه السي عباس تجاه سكان الحي. هذا الرجل الذي لم يعد يكترث بعد هذه السنين، لا لربح سريع و لا لكسب وفير، و لا لزبائن كثر، فقد امتلأ قلبه قناعة و رضا، وأصبح يفضل السكون الذي يتيحه قدوم المساء، والوقت الفاصل بين زبون و زبون، ليستغله في قراءة آيات من القرآن الكريم، وتسابيح و أدعية، و كأنه يحاول حصر الزمن الهارب الملتحق بغابر الأيام والليالي، في هذا المكان المتجمد، الذي قضى فيه جل مراحل عمره، حتى أضحى كل عالمه. وأصبحتُ كلما مررت أمام دكانه، أكتشف أن الأمكنة التي 

 احتضنت جزء من عمرنا، وتحملت قسط من طيشنا، وأن ناسها الذين مروا بحياتنا، هم جزء من الذات، نحبهم و نجلهم، ونلتصق بهم، رغم اكتشافنا لأماكن وأناس جدد. فجمعة طيبة لهم جميعا، ولسي عباس، وأمثاله أينما وجدوا و هم كُثر...

طاب مساؤكم أصدقائي، وإن كنتم من عشاق كسكس الجمعة، فشهية طيبة، وبالصحة و الراحة. محمد بنزيتي .

ليست هناك تعليقات: